القائمة الرئيسية

الصفحات

لحظةً ينحسِر فيها الظلام، وتخفُتُ فيها أصواتُ الضجيجِ العائمة فوق هذا العالم الكبير
ووسطَ عالمي حيثُ لا شيء يغدو بدونِ اختياري وحبي المُسبَقِ له
حيثُ كلُّ شيءٍ أوجدتُهُ بِعنايتي وحسب رغباتي
حيثُ كل شيء فجأة لم أعد أراه!
سواد .. صمت .. و خوف
جميعهم انقضُّوا فجأةً لِيسلِبوني ربما من العالم الأكبر
فكّكوا أشيائي وكبُّوا عليها مزيجاً من اللاَّشيء، حيث لم يعُد لِأي شيء معنى
زرعوا الخوف في أحشائي وحقنوا أفكاري بفايروسات الرعبِ والقلق الدائم
حطَّموا أحلامي وجعلوها مجردَ خيالاتٍ وصورٍ مُربِكةٍ تتكرَّر في ذهني مِراراً
وكأنما صاعِقةُ كهرباء تجتاحُني حينها لِينتفِضَ جسدي مهزوماً،  ضعيفاً، مُتهالِك
لحظةَ اختِناقيَ الأخير، لاحَت صورتان في مُخيِّلَتي
شعرتُ بِشيءٍ من الهدوء والأمان، أخيراً شعرتُ بأنَّ موعِدَ الرحيلِ عن هذا العالمِ لم تحِن
بِعكسِ توقُّعاتي ، كانت النهاية
أنا أسبحُ في السماء وأعانِق الغيوم
قبَّلتُ أمي قُبلَتين وصُعِقتُ مرتين
في المرة الثالِثة قلت: أمي مابكِ، لماذا تبكين؟
تمتَمت أمي: مازلتِ صغيرةً يا ابنتي، كيف لكِ أن تُغادري؟
بينما كانت شِفاهي ترتجف قلتُ بصوتٍ يحاولُ أن يبُثَّ طمأنينةً:
ولكن .. أمي .. أنا بجانبكِ أنظري أنا أمسكُ بيدك.
نظرتُ ليَدينا بطريقةٍ لا إراديةٍ لأثبِت ما أحاولُ إخبارها به
أوه .. لا .. ولكن ..م .. م .. ماذا يحدث؟
وكأنني خيالٌ مُتلاشي، وكأني لا شيء!
أين أنا؟
ومن أنا؟
خرجتُ من غرقي الصادم بالتفكير
لمحتُ بين يدي أمي ورقة، استرقتُ النظر إليها وقرأتُ كلماتٍ
"حينما نجتمع مُجدَّداً يا أمي سننظُرُ لِوطننا من السماء ونخبره بأنَّا أحببناه لِدرجةٍ جعلَتنا نتجرَّعُ آلامِ الغربة بِصمت،
ونتحمَّلَ الذلَّ بِكلِّ صبرِ الدنيا ، سنخبِرُه بِأنَّا كنَّا نشتاقُه صباحَ مساء"
غرِقَت أمي بالبكاء وهي تُتمتِم : كانت تعلَمُ بأنَّ الموت سيسرِقُها!
كانت تعلم!
وأنا بدأتُ أهذي محمومة من هولِ المفاجأة
إذن أنا في العالمِ الآخر ، كيف جئتُ ومتى؟
ومَن كتبَ هذه الكلِمات، أمِنَ المعقولِ بأني علِمتُ مُسبقاً بالأمر فكتبتُ رسالة لأمي والوطن؟
تذكرتُ الصورتان "أمي والوطن"!


#مياس_وليد_عرفه

تعليقات

التنقل السريع