تكَوَّرَت على نفسِها بعد انتظارٍ طويل أنهكَ قِواها وسيطرَ على مشاعرها ...
كانت كلَّ دقيقة تتفقَّدُ بريدها علَّها تجدُ رسالة تُبرِّد قلبها المُرهق ...
ولكن يا لتعاستِها في كلِّ مرَّةٍ لا شيء !...
قرَّرت أن تقمع حالة الانتظار المُملَّة تلك ، أشعلت تِلفازها وبدأت تُقلِّبُ في القنوات لا لِشيءٍ سِوى لإمضاءِ
الوقتِ البطيءِ الذي تحوَّل فجأة لِسلحفاةٍ كسولة لا تكادُ تشعرُ بِحركتِها ...
لفتَت انتِباهها قناةٌ تعرِضُ أغانٍ وطنية ، كانت مُشتاقةً لِلوطن حالها كحالِ مغترِبين كُثُر حالت حربٌ لعينةٌ بينهم وبين أوطانِهم ...
" موطني " .. لطالما أبكتها تلك الأغنية ، كانت كلما سمعَتعا وكأن الدموع قد استجابت لِدعوةٍ خفِيَّة للإنهِمار...
انتهَت الأغنية ولم تنهِ نوبةَ بكائها ، الأغنية التالية كانت مُثيرةٌ لِكثيرٍ من الأسئلة الساذجة التي تطرحُ ذاتها بتلقائيَّة داخِل عقلِها ...
كيف لا وقد أصبحَت مناقِضةً لِلواقع الذي تعيشه ونعيشهُ جميعاً ...
" بِلادُ العُربِ أوطاني " .. تساءلت : ماذا كان يُفكِّر البارودي حين كتبها ، أكان حلُمه كبيراً جداً لِلحدِّ الذي تكونُ فيه
كافَّة بلادِ الوطن العربي وطناً له ؟...
أيُّ حلُمٍ ذاكَ وأيُّ أمنيةٍ باتت مُستحيلة الآن في ظلِّ هذه الظروف ؟...
تذكَّرَت بأنها صادفَت امرأةً تطلُبُ المالَ من المارَّةِ في الطريقِ بكلِّ انكِسارٍ وذُل ، كانت الصَّاعِقةُ عندما علِمت بأنها سوريَّة !...
سألتها عن حالها فأجابت : منذُ اسبوعٍ ولم أجد فِلساً واحِداً في البيت ولديَّ أطفالٌ صِغارٌ أحدُهم مريض ويحتاجُ لِلغذاء والدواء ...
ولكن كيفَ وصلتِ إلى هنا يا خالة ؟ ...
أحضرني زوجي منذ شهور، وقبل أسابيعٍ ذهب ليُحضِر أمهُ العجوز من الحدود ولم يعُد يستطيع الرجوع ...
أخبروه بأنَّ أوراقهُ مُنتهيَة الصلاحية !...
وبقيتُ وأطفالي في بلدٍ غريبٍ لانعلمُ كيف نعيش ، حتى أن إيجار المنزل سينتهي قريباً ولا مكان يأوينا ...
أيُّ وطنٍ هذا بحقِّ الله !...
كانت قِصَّة تلك المرأة كالصَّاعِقةِ على قلبِها ، وهذه مُصيبةُ سوريين وغير سوريِّين كُثر في العالم العربي ...
نظرَت لِنفسِها عبرَ المِرآة ، منذُ سنين وأنا أقطُنُ في هذا البلد ولكنه لم يُقدِّم لي شيئاً سِوى الفراغِ ومزيدٍ من الألم ...
كيف له أن يكون وطني ؟...
حُرِمتُ من إكمالِ دراستي الجامِعية ومن العمل حتى بسبب تلكَ الأوراقِ الغبية ...
ابتلَعت غُصَّتها وعادت لِتتكوَّر من جديد وتُتمتِم :
" العالم مليء بالفجائع والمصائب وأنا أنتظِرُ رسالةً كالبلهاء !...
عليَّ التفكيرُ بجِدِّيةٍ لِفِعلِ شيء ولو كانَ دُعاءً من أجلِ وطننا ومنكوبيه فهذا أضعفُ الإيمان عند الله " ...
وفي النهاية أقول :
إنَّ وطناً يسلِبُ منك حقوقاً وأحلاماً لايُعدُّ وطناً ، وعلى هذا فإنَّ ما أعيشُ فيه ليس سوى مكانٍ غريبٍ سأخرُجُ منه قريباً ...
لِأمارسَ حقوقي رُبما في بلدٍ آخر أتخذُهُ وطناً ، وربما في وطني قريباً بإذنِ الله ...
#مياس_وليد_عرفه

تعليقات
إرسال تعليق