القائمة الرئيسية

الصفحات

هي لم تكُن سوى فتاةٍ بائسة، وحيدة ومُشتَّتٌ داخلَها بل كان مُحطَّماً، كانت ضائعة لا تجِدُ نفسَها مع الآخرين ولا مع نفسِها
في كلِّ مرَّةٍ كانت تُحاولُ فيها التواصُلَ مع الآخرين تجِدُ حفرةً كبيرة وعميقة، مُظلمة تفصِلُ بينها وبينهم،وفي كلِّ مرَّةٍ تحاوِل فيها التواصُل مع ذاتِها كانت تغرَقُ أكثر بالسَّواد.
قالَت ذاتَ مرةٍ وهي مُنكمِشةٌ على ذاتِها بِخوف: كيف لِبشرٍ ألاَّ يعرِفَ نفسَه؟
صحيح أني عندما أقرأ الكتب أشعر بِنوعٍ من الإرتياح ولكِنَّ ذلكَ يتلاشى كُلِّيًّا لحظة تحوُّلِ عينَيَّ لِلحظةٍ عن الكتاب لسببٍ ما قد يكونُ تافِهاً ولِلأسف تصعُبُ العودة ربما لِساعات وأحياناً تمتدُّ لِأيامٍ وشهور!
هل يُعَدُّ ذلكَ طبيعيًّا؟
ثمة حلقةٌ مفقودة أو أنَّ لاوجود لها من الأساس..
ثمةَ ما يدعو لِلقلق !
أشعُرُ وكأني غارِقةٌ وسط دوامة دائمة فرأسي لا يكُفُّ عن الدَّوران ونشرِ الكثير من البعثرات هنا وهناك
أشعرُ أنَّ رأسي كبيرٌ حدَّ الإنفجار، وقلبي المُرتجِف لا يكُفُّ عن الذعرِ
اختِناقٌ يلتَفُّ حول عنُقي لِيمتدَّ حول جسدي بِأكملِه ويشُدُّني إلى هناك ...
أيُّ هناكٍ هذا؟
لا أستطيع تحديد مكانه أو حتى ماهِيَّتِه
هُناكَ خاصَّتي مُبهَم مُظلِم ومُخيف وأنا وحيدةٌ فيه
كنت أراني فيه بِوحدتي فقط ولهذا لم أكن أُطيقُ البقاء لِوحدي
ولكن الآن تغير كلُّ شيء!
اعتَدتُه وألِفتُه ، ها أنا غارِقة فيه ومُنفصِلةٌ عمَّن حولي، وكأنَّ روحي مُنفصِلةٌ عن جسدي
ها هو جسدي الضعيف كانَ مساءَ اليومِ يجلِسُ بينهُن بارتِباكٍ يُراقِبُ ضحِكاتهنَّ وانسِجامهنَّ دون فهمِ أيِّ شيءٍ ممَّا يتحدَّثون بِشأنه، وكأنَّ لهم لغةٌ أخرى أجهلُها، وكأنِّي أمتلِكُ لغةً أخرى محظورة الفهم عن الجميعِ سِواي؟
إذا كنتُ الوحيدةَ التي أفهمها لِماذا أعرِفها؟ لِأتحدَّث بها مع نفسي؟
لا .. لا .. ثمةَ ما هو ناقِص
ولكن أين سأجده ؟
أين؟..
يحدُث أحياناً أن أرغبَ بالصمتِ الدائم بِدونِ أيٍِّ سبب، وبالنظرِ لِلاَّشيء لِساعاتٍ طويلة دونَ كلَلٍ أو ملل ولكن لا أستطيعُ الاقترابَ لِأيِّ شيءٍ أحبه ككُتبي الجميلة التي اشتريتُها واحِداً واحداً ورتبتُها بِحرصٍ شديد على رفوفٍ اخترتُ ألوانها وتُحفها الصغيرة الخاصَّة، لِريشتي التي لَطالما أمسَكتها أصابِعي بِحبٍّ ورسمَت أبهَج اللوحات ..
كيف لِبائسٍ أن يُخرِج من ظلامِ داخِلِه ألوان الفرحِ والبهجة؟
أيُعَدُّ ذلكَ كذِبًا أو خِداعًا؟
لم أعد حتى قادِرة على فهمِ الصواب أو الحقيقة، كلُّ ما أنا واثِقةٌ منه هو أنَّ هذه الفراشة الزرقاءِ ذو الجناحِ الواحد هي أنا ولكِن بِجناحِها اللاَّمرئيّ، في الظاهِر ليسَ له أيُّ أثر ولكن في الحقيقة هو موجود ولم تظهر بعد العين التي ستُلاحِظهّ!

رمَت الكِتاب الذي أوهَمَت نفسَها بأنَّها ستُحاول قراءته، "مرتفعات وذرينغ" تلك الرواية التي قرأت تلخيصاً لها على مواقِع التواصل الاجتماعي وجذَبَتها حدَّ تنفيذ قرار شرائها لها بذاتِ اليوم،  في الحقيقة مَضت ساعتان منذ أن وصلَت لِمنزلِها بعد أن مرَّت بالمكتبة واشترتها وهي مُمسِكة بالرواية ولم تُفتَح حتى!
لا تعلم ما الذي يمنعُها عن البدءِ بها رغمَ تَحرُّقها للإبحارِ في تلك القصَّة
قرَّرت أخيرًا الاستِنجاد بالنوم علَّه يوقِفُ تلك المعارِك الدائرة داخلها .. ونامَت


#مياس_وليد_عرفه

تعليقات

التنقل السريع