هي تجربتي الأولى بقراءة هذا النوع من الروايات المُصنفة ضمن النوع السياسي، وبرأيي أنه من الممكن إعادة قراءة هذا النوع خصوصا لو كان أسلوب الكاتب كأسلوب "جورج أورويل" وإبداعه، حيث قدَّم في روايته 1984 صورة المجتمع الشمولي الذي يحكمه الحزب الواحد بوزاراته الأربعة المُتمثلة بِ" وزارة السلم، وزارة الحقيقة، وزارة الوفرة، وزارة الحب" بأسوب سهل الفهم بغض النظر عن الملل الذي انتابني في بداية الأحداث إلا أنه تلاشى مع استمرار الأحداث.
كان صديق الرحلة هذه المرة "وينستون" وهو عضو من أعضاء الحزب حيث يعمل في وزارة الحقيقة المهتمة بتزوير التاريخ والوقائع، كان من الغريب جدا أن يعيش المرء وهو مُراقب بأدق تفاصيله حتى داخل بيته عبر شاشات تتواجد بكل مكان وبكل منزل في أماكن العمل وفي الشوارع، وما أثار ذهولي هو أن هذه الشاشات تلتقط حتى تعابير الوجه والأصوات الخفيضة! بالإضافة أنها تبث أغاني وموسيقى خاصة بالحزب طيلة الوقت وتعرض أهم الأنباء عن الانتصارات التي حققها أو تقارير عن زيادات في الإنتاج، وعلى الجميع حينها أن يُظهر البهجة والحماس لدى سماعها، ولو كان ليس مهتما بها!
تعرفت على مفردات المجتمع الذي يُحكم بالقهر والتعذيب وتزوير الوقائع والتاريخ وهي: الأخ الأكبر، دقيقتَي الكراهية، أسبوع الكراهية، شرطة الفكر المنتشرة بكل مكان ترَصُّدًا لأي فكرةٍ قد تظهر بشكلٍ لا يتلاءم مع الحزب، التفكيرالمزدوج، رابطة الجواسيس، شعارات الحزب الثلاث "الحرب هي السلم- الحرية هي العبودية- الجهل هو القوة"، وأخيرا التبخير وهو المسح من الواقع ومن التاريخ وكأن الشخص الذي تبخر لم يكن يوما!
استطاع الحزب تحويل العامة من المجتمع إلى قطيعٍ بعيدة تمامًا عن صفة "الإنسان المُفكر" يسوقه إلى الأعمال الشاقة والحياة البائسة شبه المعدمة، ولم يكن أعضاء الحزب بحالٍ أفضل من العامة فهم يخضعون لرقابةٍ شديدة تُحصي عليهم حتى أنفاسهم وتُحولهم باسم الدفاع عن الوطن والولاء للحزب إلى أشخاص خائفين دومًا ومُتشكِّكين من بعضهم البعض حتى من أبنائهم التي تحولهم التربية بإشراف الحزب إلى جواسيس حتى على أبوَيهم!
الغريب بالأمر أنَّ أحد أعضاء الحزب كان فخورًا وهو يتحدث عن كيف وشَت به ابنته الصغيرة ذات السبع سنوات وزُجَّ على إثرها في السجن وعُوقِبَ أشدَّ العقوبات!
رغم كل هذا القمع والرعب لم تَخلُ المدينة من التمرُّدات التي تميز الروح الإنسانية التي ترى أن الحرية هي أسمى قيمة ممكن أن يحصل عليها الإنسان، وهذا ما حصل مع صديقنا وينستون الذي كانت أفكاره ومشاعره أقوى من أن يتمكن من إخفائها أو السيطرة عليها، فقادته لرحلة من التساؤلات والبحث وبعض المحاولات لتجربة الحياة التي كان يحلم بجزء بسيط منها ولكن بحرص شديد انتهى به أخيرًا في زنزانات وزارة الحب التي ترفض قتل المتمردين قبل مسح أفكارهم المتمردة وزرع حب الأخ الأكبر والولاء الكامل للحزب بأعنف أساليب التعذيب والإذلال حتى لا يتحول إلى بطل بأعين البقية وفي النهاية الحزب هو من يقرر إن كان سيعيش بعد ذلك أم ستتم تصفيته!
ما لم يرق لي أثناء قراءتي هو علاقة وينستون وحبيبته عضوة الحزب أيضا "جوليا" التي تتسم بجرأة الطرح الغير مُحبب بالنسبة لي ولكني رجَّحتُ ذلك إلى أن الحزب يحظر حتى علاقات الحب التي تنشأ بين أعضاء الحزب، بل أنه يحارب الحب حتى بين الأزواج أو بين العائلات!
الصفحات الخمسين الأخيرة كانت مُرهِقة جدًّا خاصةً أنَّ قلبي الضعيف لا يتحمل مشاهدة أو قراءة العنف، بيد أني بإنهائها أعتبر نفسي قمتُ بإنجازٍ كبير ويستحق الإحتفاء.
#مياس_وليد_عرفه
الاقتباسات التي أعجبتني..
- لم يكن عليه إلا أن ينقل إلى الورق ذلك الحوار المضطرب مع النفس المستمر من غير نهاية..
- كيف تستطيع مخاطبة المستقبل عندما لا يبقى لك أثر، ولا حتى كلمات مجهولة الكاتب مُخربشة على قطعة من الورق؟..
- لقد كان وحيدًا مثل شبحٍ ينطق بحقيقة لن يسمعها أحد..
-إلى المستقبل أو إلى الماضي.. إلى زمن يكون فيه الفكرُ حرًّا، عندما يكون فيه البشر مختلفين أحدهم عن الآخر ولا يعيشون وحيدين.. إلى زمنٍ توجد فيه الحقيقة ولا يمكن محو ما جرى.
- إن عواقب كل فعل تكمن في الفعل نفسه.
- لكنَّ جزءً من عقلها كان مُقتنِعًا أن من الممكن على نحوٍ ما، إقامة عالم سري يستطيع أن يعيش فيه المرء كما يريد.
-إذا كنتَ تحِب شخصًا، فأنت تحبه، وتظل تعطيه حبك حتى عندما لا يكون لديكَ ما تعطيه إلا الحب.
- أدرك وينستون أنَّ أفضل الكتب هي تلك التي تقول لك ما تعرفه بالفعل.
-إنَّ تغيير المرء رأيه، أو حتى تغيير سياساته، علامة من علامات الاعتراف بالضعف.
- التفكير المزدوج يعني قدرة العقل على حمل مُعتقَدَين متناقِضَين في الوقت نفسه، وقبولهما معًا.
- حيث تكون المساواة يكون العقل!

تعليقات
إرسال تعليق