القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية "ماجدولين" لِ مصطفى لطفي المنفلوطي

 

أن يكون الحبُّ شؤمًا على عاشِقَين هو الشقاء بعينه، فلا هما يتصِلان فيهنئان ولا روحَيهِما تنفصلان فيرتاحان.

لوعَةُ الحب قاسيةٌ وأشدُّ منها الوفاء الشديد لِمَن نقضَ عهدًا وتناسى وعدًا وقتَل قلبًا صادقًا في سبيل مادِّياتٍ قد تذهبُ بِلمحِ البرق فلا هي باقية ولا بوجودها يرتاحُ القلب من لوعته.

إنَّ أشدَّ ما يُقاسيه قلبٌ وفِيٌّ صادقٌ غدرَ حبيبٍ طائش، وإنَّ أشدَّ ما يُلاقيه حبيبٌ طائش عذابَ خسارته كلَّ شيء فمن خسِر حبيبًا صادقًا في حبه كمن خسر كل شيء، وفوقها عذاب طلبِ غفرانٍ قد لا يقدر عليه مظلومٌ ذاق من آلامِ الغدرِ أشدها.

حياةُ بائسةٌ تلك التي لم تجمعُ مُتحابَّين صادِقَين في حبهما، وأكثر بؤسًا من يتسلَّل إلى نفسه مُؤاثرةَ شيءٍ آخرعلى وعدٍ قطعه.

أثَّر المنفلوطي في نفسي في هذه الروايةِ كلَّ أثرٍ قد تؤثره قصةٌ أو حكايةٌ في النفس فجعلني أهِيمُ بشخصِ "استيفن" ورِقَّته وصدقِه وثقافته وحتى أفكاره، وأحسِدُ ماجدولين على هكذا حبيب.

وجعلني أيضا أحزنُ على بؤسِه وشقائه وأغضب من ماجدولين تارةً وأضع لها الأعذار والمبررات تارةً أخرى، حيث تنقَّلتُ بقلبي بين مشاعرَ كثيرة متناقِضة ومتوازية فمرَّةً بكيتُ لبكائهما ومرة ضاق صدري لِضيقِ صدرَيهِما ومرةً أخرى فرِحتُ لفرحِهما وأتبعتُ نهايتها ببكاءٍ آخر أعمق من سابقه.

من بين جميع قصص الحب التي قرأتها كانت قصة ماجدولين واستيفن الأقرب لقلبي ولروحي، ربما لأنني تعرَّفتُ من خلال شخصية "استيفن" شخصية الشخص الذي قد أرغبُ أن يمتلك قلبي يومًا ما، أو ربما لأنَّ وفاء استيفن وصدقه قلَّما نجدُ لهما مثيلٌ في عصرنا هذا وإن وُجِدت فهي نادرة جدًّا!

وربما لشفقتي على "ماجدولين" التي تاهَت بها الدروب عن دربٍ قطعت على نفسها وعدًا أن لا تسلُكَ سِواه فخذلته وحادَت عن طريقِها مِلءَ إرادتِها "بِنِيةٍ طيبة" وكم من مرةٍ خذلتنا نوايانا الطيبة!

- رغمَ قِصَرِ الروايةِ إلَّا أني تأخرتُ بقراءتِها جدًّا ليس تضجُّرًا منها أبدًا بل لأنِّي لم أرغب مُفارقتها، ولكن حتمًا لكلِّ شيءٍ نهاية وها قد وصلتُ للنهاية وأنا أحملُ في قلبي حزنَين: أولاهما مفارقة هذه الرواية التي برأيي الأجمل على الإطلاق، وثانيهما لمُصابِ أبطالِها مذهولةً بهذا الكم من الحب!

مفردات المنفلوطي ولغته البديعة تذوبُ في القلبِ ذوبانَ السكر في الماء فيبقى أثرها جلِيًّا قويًّا، فلا مجال لِمقارنة أسلوبه بأيِّ أسلوبٍ آخر، يبدو لي أني وقعتُ في حبِّ كلماته وقوة لغته وقد بلغت بي قراءة الرسائل في الرواية مبلِغَ الذهول والانقياد خلف المعنى إلى عالمٍ آخر اتخذه المنفلوطي له كمكانٍ ساحرٍ أخاذ.

لا أظنُّ أنها المرة الأولى والأخيرة التي سأقرأ بها "ماجدولين" بل إنني سأعيدها مراتٍ ومرات، وقد تصبح صديقتي في عزلتي وحيرةِ أمري ووحدتي وإني أعاهِدني إن أطال الله بعمري وأذِن لي أن أقتَنيها ورقية حتى يتسَنَّى لي احتِضان أوراقها في لحظاتِ وحدتي وحزني فأُحادِثها وأقابلَ من خلالها صديقَيَّ الأثيرَين "ماجدولين واستيفن"

من أجمل وأبدع ما قرأت وكل ما أملِك من معانٍ وحروف لن توَفي حقَّ هذه الرواية "وطبعًا هذا رأيي الشخصي"

ماجدولين كانت خاتمة العام 2019 وبداية 2020 فهنيئًا لي بتلك النهاية والبداية.

#مياس_وليد_عرفه

اقتباسات أعجبتني..

- وأعجَبُ ما أعجَبُ له من أمرِ نفسي أنني أبكي على غيرِ شيء، وأحزن لغير سبب، وأجد بين جنبيّ من الهموم والأشجان ما لا أعرف سبيله ولا مأتاه، حتى يُخَيَّلُ إليَّ أنَّ عارِضًا من عوارضِ الجنون قد خالط عقلي، فيشتدُّ خوفي واضطرابي.

- لا بدَّ أن نفترِقَ اليوم لأننا غير متفِقَين، ولا بدَّ أن تجتمع بعد اليوم لأننا سنتفق.

- كن كما تشاء، وعِش كما تريد، فستنقَضي أيام شبابك وستنقضي بانقِضائها أمانيك وأحلامك، وهناك تنزل من سمائكَ التي تطير فيها إلى أرضي التي أسكنها، فنتعارفُ بعد لتناكر، ونتواصل بعد التقاطع، ونلتقي كما كُنَّا.

- فكلُّ ما أطمعُ فيه من جمالِ هذا العالمِ وزخرفه رفيقٌ آنَسُ بقربه وجواره وأجد لذةَ العيشِ في الكون معه والسكون إليه.

- إن الحبَّ يُقوِّمُ ما اعوجَّ من الأخلاق، ويحيي ميِّت الأمل في نفسِ المُحِب.

- فما أصعبَ الوداع!

وما أصعب الفراق بِلا وداع!

- واجعلي حبكِ عونًا لي على مقاصِدي وآمالي، فحبكِ هو الذي يُحييني وهو الذي من أجله أعيشُ وأبقى.

- ودمعةُ الراحِم كابتسامةِ الساخر، كلاهما يؤلم النفس ويملؤها غصةً وأسى.




تعليقات

التنقل السريع