القائمة الرئيسية

الصفحات

لأنك الصورة المعكوسة لي في المرآة

عزيزي القمر..
أعلم جيدًا أنه ما من قمرٍ في سمائي، ولكني أحببتُ أن يكون ولو خيالًا!
أعلم جيدًا أنك قد تكونُ ماضٍ عشته في زمن لا أعلم عنه شيئًا، وقد تكون حاضرًا لا أعلم عنه شيئًا أيضا!
ولكنك أبدًا لن تكون مستقبلًا!
تحاصرني الكثير من الأفكار عنك، من أنت؟ وكيف أنت؟
لا أظنك من البشر أبدًا، فالبشر أنانيون جدًّا، وحشيون أحيانًا، غريبون جدًّا، وعديموا مشاعر مثلك تمامًا!
أو لِنقل كي لا أكون قد ظلمتُ أحدًا، لأني وكما تعلم لا أحب أن أظلم أحدًا ولو بمجرد فكرة.
إنهم لا يعرفون كيف يعيشون وويتعايشون مع آلامهم والأحداث المفاجئة التي تباغتهم بدون موعد، جميعهم يتخذون قراراتٍ خاطئة ليس لأنهم لا يقدِّرون ذلك، ولكن لأنهم يجهلون كيف يتعاملون مع مشاعرهم، أو لا يستطيعون اكتشاف ومعرفة مشاعر الآخرين!
قد تكون اللامبالاة لأحدهم أمرًا عاديًّا، ولآخر أمرًا مستفزًّا حد الموت!
قد يكون الاهتمام بالنسبة لأحدهم أمرًا أهم من أيِّ شيء، ولآخر ليس سوى أمرًا خانقًا وسخيفًا!
السر في مقدرة الفرد على فهم الآخر ببساطة.
ولأني مختلفة عن الآخرين واخترت لي كائنًا خياليًّا ليس بالأمر الجنوني صدقني، فلا أتوقع أن يفهم بساطتي كائن حقيقي!
ولذلك أرجوك لا تكن حقيقة، لا أريد أن تخذلني لأني متعبةٌ جدًّا
أعطني نورًا من قلبك كي أستريح، أريد أن أنام على فراشٍ من نورك الهادئ، أن أصير نجمة وأرحل لفضاءٍ كل ما فيه أنت.
الأرض مخيفة، مخيفة جدًّا
صار الموت يركض في أرجائها ويخطف سريعًا أكبر قدرٍ يستطيعه من الأرواح
صار القبحُ أسودًا حدَّ أنك تشعر وكأن على تعاطفك مع قضايا العالم أن ينقسم أو ينحاز لمكانٍ دون آخر، أو أن تسأل نفسك قبل أن تُبدي تعاطفك: "هل تعاطف أولئك مع قضيتي؟" إن كانت الإجابة لا فليس هناك أي أحقية بالتعاطف!
أليس ذلك جنونًا؟
صار للإنسانية عِرقٌ وجنسيةٌ وديانة!
هل تصدق ذلك؟
كل شيءٍ يدور ويتغير بشكلٍ هستيريٍّ ومجنون، كل المفاهيم والمشاعر والإستحقاق والحياة. 
إلا في وطني، ما زالت الحرب تكشف عن أنيابها، ما زالت تتبدل وتتلون فصارت فقرًا وجوعًا وبردًا وموتًا بطيئًا قاسيًا، وآخر سريع خاطف!
صارت خطفًا وتعذيبًا وطمعًا وجوعًا أفجع للأموال مقابل الأرواح!
بالأمس عندما أغمض عينيه طفل المغرب في بئرٍ عميقة ظلماء بعد محاولات صارمة لإخراجه، صرخ طفل درعا بصوتٍ ملؤه الرعب والفزع: "مشان الله لا تضربوني!"
انقسم الناس بمشاعرهم ولا أعلم السبب!
الحزن على مصابِ الطفلين ضرورة لازمة، والتفكير بمصير الطفلين ضرورة لازمة، لا فرق بين مغربي أو سوري، لا فرق إن تفاعل الإعلام مع هذا أكثر أو مع ذاك، كلاهما أطفال، كلاهما قُدِّر عليهما أن يعيشا مأساتهما ويعلم العالم بأسره عنهما، كلاهما حُرِما أثمن ما قد يملك طفلٌ في الدنيا، أن يعيشا طفولتهما بشكلها الطبيعي المرح!
كِلاهما يتألمان في سقوطهما الغير متوقع، فأحدهما وقع في ظلمة بئرٍ بعمقٍ سحيقٍ قاوم لخمسة أيام وفي اللحظة التي تحرر من ظلمته قرر الرحيل عن عالم مظلمٍ ثانٍ نحو نور السماء.
والآخر وقع بين أيدٍ متوحشةٍ متعطشةٍ للدماء أشكُّ بأنها من بني البشر، عارٍ في البرد القارسِ بين وحوشٍ شرسةٍ يصرخ مُستنجدًا، ولكن هل من أذنٍ تسمع؟؟
لا أعلم، ولكني أتمنى معجزةً من الله تنقذ الطفل وتخسف الأرض بالوحوش من حوله، بل بالوحوش في العالم أجمع!
أتساءل وأنا لا أستطيع حتى أن أتخيل الإجابة "بماذا يشعر؟"
لِمجر طرح ذلك التساؤل بدأتُ بالبكاء خوفًا عليه، وعلى أطفالٍ غيره يعانون ولا أحد يعلم عنهم شيئًا، وعلى طفلةٍ داخلي هي أنا 
وحيدةٌ منذ وُلِدت، وحيدةٌ حين كبرَت، وحيدة وهي تكتب الآن لقمرٍ في خيالها قد لا يقرأ أصلًا، وحيدة تحتاج أن تحتضن كلَّ طفلٍ على وجهِ هذه الأرض!
تتمنى لو أنها تصبح أمهم جميعًا فتحميهم وتمسح دموعهم وتحبهم، تحبهم، تحبهم!
هم أكثر من يستحق الحب.
أتعلم يا قمري؟
يُخيَّل إليَّ أحيانًا أنك طفل جميل، لطيف، ودود وتحب أن تمسك إصبعي السبابة بكامل يدك الصغيرة الناعمة الممتلئة، وأتمنى أن أحتضنك بحجم قسوة هذا العالم كله، وأقبلك بعدد أطفاله الجائعين والخائفين والتائهين والضائعين!
عزيزي القمر..
في الليل تتزاحم الآلام داخلي حتى يُخيَّل لي بأن كل هذا الكون ضيقٌ يكاد يخنقني، وأختنق فعلًا!
ولكن لا معنى لأحدٍ إن علم بذلك، ولن يعني أحد.
وحدك المعنِيُّ بكلِّ ما بي لأنك ابنُ مخيلتي، الصورة المعكوسة لي في المِرآة
لأنك أنا بشكلٍ أو بآخر.


#مياس_وليد_عرفه 



تعليقات

التنقل السريع