تتلعثم الكلمات حين نرغب برثاء شخصٍ ترك في القلب أثرًا عميقًا، وفي الذاكرةِ حكاياتٍ لا تُنسى كانت دمشق البطلة الأساسية في كلٍّ منها، دمشق بواقعها القاسي وآلامها وصعوبة العيش فيها بالنسبة لأولئك الذين لم يكفُّوا عن الكفاح من أجل عيش حياةٍ أشبه بالكريمة.
أولئك البسطاء الذين لم تخلو حيواتهم من الحكايات والأحداث التي كان لابدَّ من تسليط الضوء على ضوضائيتها وبعثرتها وقلَّة الأمل بها.
أسرار المدينة بقيت لنا لكنَّها صارت يتيمةً بانتِظارٍ طويلٍ لن ينتهي منذ اليوم الجمعة الثاني من أغسطس من العام 2024م إلى ما لا نهاية، والغفران سيبقى متألما في زوايا الروحِ.
إذن، رحل الكاتب حسن سامي يوسف تارِكًا دمشق بذاتِ ألمها ونكبَتِها حزينةً اليوم أكثر من أيَّ يومٍ آخر.
رحل الكاتب الفلسطيني الأصل، والسوري الانتماء عن عمرٍ يناهز 79 عامًا، فهو من مواليد قرية "لوبيا" الفلسطينية عام 1945م. انتقل مع عائلته بعد النكبة من عام 1948م إلى لبنان ثم إلى دمشق. حيث تشارك مع مجموعة من الشباب المبدعين حب المسرح فأسس معهم "فرقة المسرح الوطني الفلسطيني"
درس السينما في المعهد العالي للسينما في موسكو، واستلم رئاسة دائرة النصوص في المؤسسة العامة للسينما بحسب وكالة ناسا.
تتميز مسيرة الكاتب حسن سامي يوسف بأنها كانت زاخِرة بالإبداع، فقد شارك بكتابة أعمال تلفزيونية بارزة تركت آثارها العميقة صعبة النسيان في ذاكرة مُحِبِّي الدراما السورية، من مثل: "شجرة النارنج 1989م، الشقيقات 1995م، ثلوج الصيف 1999م، سقف العالم 2007م، والندم 2010م" واختتم مسيرته بمسلسل "فوضى 2018م" الذي تناول مشاهد من حياة السوريين خلال الحرب.
كما قدَّم الراحل بالشراكة مع الكاتب "نجيب نصر" أعمالا ستبقى خالدة في ذاكرة عشاق الدراما السورية حيث رصدا من خلالها تناقضات المجتمع السوري، وتحولات حياة السوريين الاجتماعية، والتي كانت مليئةً برسائل تحذيرية من مآل كارثي منها: "أسرار المدينة 2000م، أيامنا الحلوة 2003م، حكاية خريف 2004م، الانتظار2006م، زمن العار 2008، السراب والغفران 2010م"
لم تقتصر أعمال الراحل على كتابة سيناريو المسلسلات الدرامية فقط بل كتب أيضا سيناريوهات لأفلام سينمائية سورية منها: "حب للحياة 1981م، سبع دقائق إلى منتصف الليل 2008م، بوابة الجنة 2009م"
كما شارك في كتابة السيناريو لأفلام عديدة منها "بقايا صور 1973م، الاتجاه المعاكس 1975م، غابة الذئاب 1977م، قتل عن طريق التسلسل 1982م".
وللكاتب المبدع رحمه الله نصيب من كتابة الروايات فقد كان له العديد من الإصدارات ومنها: "الفلسطيني، الزورق، رسالة إلى فاطمة، بوابة الجنة، فتاة القمر، عتبة الألم"
حصد الكاتب الراحل العديد من الجوائز عبر مسيرته المُشرِّفة ومنها جائزة محمد بن راشد للدراما العربية، وجائزة التلفزيون السوري لأفضل سيناريو في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون.
في النهاية يرحل الجسد ويبقى الأثر خالدًا في القلوب والذاكرة، يرحل الكاتب المبدع حسن سامي يوسف وتبقى عتبة الألم في أقصى مراحلها في قلب دمشق وقلوب محبيه.
ربما لا يعرفه الكثير كما لا أعرفه أنا عن قرب، لكن من عرف قصصه وحكاياته وقرأ رواياته سيعرف أن رحيله خسارة لفلسطين ودمشق أولا وللعالم العربي أخيرًا بعد كل ذاك الزخم من الأعمال التي تحاكي الواقع بمحاولة لمعالجة مشكلاته وحلها.
وداعًا حسن سامي يوسف، لروحك السلام والرحمة.
#مياس_وليد_عرفه
تعليقات
إرسال تعليق