القائمة الرئيسية

الصفحات

في مكانٍ ما بعيدٍ عن ما يُسمى الواقِع اتخذتُ لي مكاناً وبدأتُ أُراقِبُ الحياة ...
ذهِلتُ كثيراً مما رأيت ، وفي كثيرٍ من الأحيان كنتُ أشعُرُ بالصدمة !...
هالَني منظرُ ذاك الرجلِ الذي تركوه يعيشُ فرحَهُ وحزنهُ وحيداً ...
قالوا بأن مقام المرءِ يرتفِعُ كلما زادت جيوبهُ ثخنةً !...
شعرتُ معهُ بالوحدةِ والأسى عندما كان ينظرُ من طرفِ نافذةٍ على صديقه الغني وكيف يلتفون حولهُ جميعا بِعيونٍ حاسِدة ومحبةٍ كاذبة !...
ربَّتُّ على كتفه بأن لا تحزن ، إذا مالت الأقدار وفرغَت جيوبه سيَنحلُّون من حوله جميعا وسيكون وحيداً مثلك ...
هذا العالمُ ياصديقي بات ينحدر لِلجنون والهذيان ...
هذا العالم بات سخيفاً كمجتمعِنا تماماً...
دعني أحكي لكَ قصَّة علَّها تُخفِّف من حِدّةِ ألمك ...
أعرِفُ كاتِبة حملَت على عاتِقِها قضيَّة المظلومين والمحتاجين ، المُشرَّدين والتائهين ...
الضُّعفاءِ أمثالك وأمثالها .. وقضيّة وطنٍ غطَّت الحروبُ معالِمه سواداً وظُلماً ...
جعلَت من نفسِها صوت أولئكَ جميعاً وبدأت تكتب ...
ولكن اسمح لي أن أعود بالزمن قليلاً ، قبل أن تُعلِن عن شغفِها بالكتابة ...
كانت مِثلَك وحيدة ، الجميع ينفضُّون من حولِها ويرتدون أقنِعة الرياء والمجاملاتِ إذا مارأوها ...
وكثيراً ما أتقنوا فنَّ التجاهلِ معها ومع حديثها وآرائها ، وكأنها لامرئية ...
مانظروا يوماً سوى إختِلافِها عنهم بِعيون مُشفِقة ...
وقد همس البعضُ منهم " ما ذا ستفعلُ هذه الضعيفة وعقلُها لايكاد يُفكر سوى بأشيائها السخيفة "
ابتلَعَت غُصَّتها بِصمتٍ وتوعَّدت بأنها ستُريهِم ماذا تستطيعُ تلك المريضة !...
تشبَّثَت أكثر بالكتابة وتعِبت سِنينَ مُتوالية حتى استطاعَت إرفاقَ اسمِها بِ " الكاتِبة "
كان انتصاراً كبيراً بالنسبة لها ومفاجأةً بالنسبة لهم ...
وقتَها تجمَّعوا حولَها كما يتجمَّعُ النملُ حولَ قِطعةِ الحلوى ...
صارت من المُجتمعِ الآن وصار لها كيانٌ ورأيٌ ومكانة !!!...
أعلمُ بأن ذلك مُضحِكٌ ، ولكن انتظر حتى أخبِرك بالشيء الأكثر طرافةً ...
 جميعَهم لا يعلمون ماذا تكتُب وعن أي شيء !...
هه كلمة " كاتِبة " كافية لأن تجعلها ذات مكانة بالمجتمع كما كلِمة " جيوبه ممتلئة " !...
 أكادُ أجزِمُ بأنَّ ما تكتُبهُ لا يقرؤه سِوى القليل القليل ...
لِماذا ؟...
هي لا تعلم وكلَّما رأت أنَّ كثيراً من الترَّهات والأشياء التي لاتحمِلُ أي معنى أو فكرة يصفِّق لها الجميع بِحرارة ...
ازدادَت حيرةً وصمَّمت على كشفِ ذاك الزيفِ ومحاربتِه ...
ألم أقل لكَ ياصديقي بأن مجتمعنا باتَ تافهاً ...
دعنا منهم جميعاً ولنحتسي القهوة هُنا بعيداً عن ذاكَ النِّفاق ...
بعيداً عن صخبِ ذاك الواقع الذي باتَ مقلوباً ، فإن كانت طريقةُ تعامُلِ البشر فيما بينهُم تعتمِدُ على الجيوبِ الممتلئة
وكلمة كاتب أو طبيب أو مهندس أو ..  أو.. أو .. تسبِقُ اسم الشخص فهذي الحياة لاتُناسبُنا أبداً ...
وإذا كانت الكلمات التي تتحدَّث وتُحارب ذاك الواقِع لا تُناسِبهم فلنكتُب إذن ولنأخذ مكاناً بعيداً عن نِفاقِهم ...
علَّنا ذات يومٍ نوقِظُهم مما هم فيه ...


#مياس_وليد_عرفه

تعليقات

التنقل السريع