لطالما كانت الحرب والغربة الموضوعان المهمان في كل ما أكتب، كانتا تحتلان حكايات حبي وتتدخلان بشؤون أحلامي، وتعبثان بحوادث فراقي عن كل من أحب وما أحب!
في حديثي عن رحيلي الذي كان فاجعةً كبرى قلبت حياتي رأسا على عقب، كانتا حجر الأساس الذي تركني هناك بالعدم دون هويةٍ أو وطنٍ دافئ أو حتى حلمٍ أو روح!
سُرِق مني كل شيء، ونُبِذتُ خارجًا بلا شيءٍ أجرُّ أذيال خيبتي، كما حدث مع الكثير من أبناء شعبي الذين هُجِّروا وتغربوا خارجًا، وذاك وحشٌ ليس كأيِّ وحشٍ يُقهقه فوق جُثَثٍ نكَّل بها تعذيبًا وبشاعة، يشربُ كأسه مُستمتِعًا على أصواتِ صرخاتٍ ترتجي خلاصًا لن يسمح به!
ينظرُ بطرفِ عينه مُعتَزًّا بوقاحته واستبداده واستِعباده لشعبٍ كان من المفروض عليه أن يحميه ويعمل على تطويره ونشر الأمن والسلام والحب والتعايش بوِد بين أبنائه!
يكملُ رقصةَ المشعوذين فوق جماجمِ المظلومين، ويأمر بفتح سراديب سريةٍ أخرى لجلبِ المزيد من أبناء شعبه المتمتعين بجرأةٍ تسمح لهم بالتفكير لقول كلمةٍ واحدةٍ تُلهِب غضبه!
أو مظلومٍ جار عليه الزمن ليلقى في طريقه كاتب تقاريرٍ وفيٍّ لسلطته ومبدع فيتفنَّن لاختراع تهمةٍ جاهزة لا تحرم سيِّده متَعَهُ الدنيئة برؤية الدماء والصراخ والعذاب بأشنعِ الطرق وأبشعها!
ذاك الوحش ذاته الذي قرر بكلِّ ما في الأرض من ظلمٍ أن يُهجِّر الآلاف فيسرق منهم أحلامهم وحياتهم وكل أمنياتهم، ليتركهم في كل أصقاع الأرض محرومين مذلولين يجاهدون ما استطاعوا حفظ كرامةٍ كانت كل شيءٍ لهم!
ذاك الوحش ذاته الذي قرر متباهِيًا بسلطته قتل وحرق وقصف مدنٍ بِناسِها، وبكلِّها!
ذاك الوحش ذاته الذي لطالما صرخ بأعلى صوته متباهِيًا بأنه أسدٌ مهيب، نكتشف جميعًا وبعد حربٍ طويلةٍ سلَّطها على شعبه بأنه ليس سوى جرذٍ لعين!
ترك طاعونًا يسري في سجونِ ظلمه التي حفرها وبناها تحت أرضِ وطنٍ لم يحمِه كما يجب، وفرَّ هارِبًا وسارِقًا أسرار أبوابٍ سريةٍ خلفها آلاف الأرواح التي يشهد جميعنا أنها في رقبته ليوم الدين!
هرب تارِكًا خلفه وطنًا مدمَّرًا من جميع النواحي لكنه في الوقت ذاته مستبشِرًا يتغنى بخلاصه، ويحلم بشمسِ فجر حريةٍ لا تغيب فتنشر أملا لمستقبلٍ واعدٍ عظيمٍ لشعبٍ عظيم!
هرب تاركًا فسحةَ أملٍ لرجوعٍ قريبٍ وعملٍ لبناء مستقبلٍ ووطنٍ ذو هويةٍ وانتماء.
#مياس_وليد_عرفه
تعليقات
إرسال تعليق