أشعر كما لو أنّه سُرِق مني عمرٌ كامل، وفي الحقيقة هو سُرِق فِعلًا!
ضِعتُ في غرباتي كلها، غربة الجسد الغريب وكأنه كائنٌ فضائيٌّ بأعينِ الفضوليين الرافضين لأيَّ اختلافٍ كان، وكَكومةٌ تستحق الشفقة بأعينِ آخرين، ولا شيء بأعين فئةٍ لا تعطي اهتماما واحترامًا لِما لا يتناسبُ مع ذوقها الرفيع في الشكل الخارجي للآخرين!
وغربة الفِكر التي تجعلني دائمة الشعور بأني تائهة وضائعة، دائمة التساؤل: هل أنا على حق؟
هل اختلاف أفكاري واهتماماتي عمن حولي يؤهلني لأكون مقبولة في المجتمع، أم أنني سأبقى غريبة الأطوار كما أنا بالنسبة لمن حولي؟
وغربة الروح التي إلى الآن لا تزال تبحث عن مسكنٍ دافئ تسطع منه شمس الأحلام صباحًا، وتتراقص نسمات الحب حوله طيلة يومٍ كامل لينام على همساتِ قمرٍ هادئ..
وغربة وطنٍ بعيدٍ حتى الأمس القريب كان بمثابة سجنٍ كبيرٍ كل من فيه معتقلين، شهداء، خائفين، مقهورين، فقراء، جائعين، منكوبين، مُلتاعين.
ببساطة كل من فيه يواجه أسوأ ظروفٍ، كل من فيه أمواتٌ على قيدِ شيءٍ يدعى الحياة!
وطنٍ لم يكن يعرف معنى الحياة رغم أنها تعيش داخله، بين أزقة مدنه العريقة، وفي آثارِه الأصيلة، وعلى سهوله وجباله، بين سمائه وأرضه!
وطنٍ في الأمسِ صار حرًّا!
تنتابني الرغبة في التملُّص من غرباتي كلها والهربِ بعيدًا حيث لا قيود تحبس جسدي، روحي، ولا حتى أفكاري.
بعيدًا حيث لا وجود لأي ذكرى تقبض قلبي ألمًا، وتُلهِب روحي لوعةً، وتسكب الدموع من عينيَّ سكبًا.
بعيدًا حيث لا أثر لغيمةٍ ادَّعت حمايتي دومًا، وفي لحظةٍ مثالية مُباغِتة لم يُحسب لها حساب تمَّ اكتشاف الغدرِ والكذب!
تمّ الإثبات بأن لا غيمة بمقدورها أن تحمي، فمصير الدخان أن يتبخر ويندثر!
بعيدًا حيث أنا ملكُ نفسي ولنفسي وكل قرارٍ أتخذه يصبُّ في مصلحة نفسي.
نخطئ دومًا لا لأننا لم نكن أذكياء بالدرجة التي يُنظِّر بها المُتفلسِفون، بل لأننا نحتاج أن نخطئ كي نتعلم ونصبح أقوى.
- مياس وليد
تعليقات
إرسال تعليق