مرَّ وقتٌ طويلٌ لم أكتب لك فيه رسالةً واحدة، حدثت الكثير من الأشياء خلال هذا الوقت وأهم ما حدث هو أني عُدتُ أخيرًا للوطن.
انتهت الغربة أخيرًا لكني إلى الآن لم أتحرر من سجني يا قمري!
يخطر ببالي دومًًا: ماذا لو كنتُ قد ظلمتُ الغربة طيلة الثلاث عشرة سنة الماضية؟
ماذا لو كان السجنُ داخلي؟ لكن لا ليس داخلي، فأنا حرَّة من داخلي، لديَّ أفكاري الخاصة ومشاعري ومخاوفي الخاصة، لديَّ كل ما يملكه شخصٌ حرٌّ آخر، قناعاتي ملكي وأحلامي أيضًا.
منذ دخلتُ الوطن وأنا أفكر: ماذا لو سُجِنتُ مجدَّدًا؟ كانت الفكرةُ بحدِّ ذاتها مُرعِبة، أن يكون المكان الذي لطالما تمنيت العودة إليه واعتقدتُ أنه سيكون حريتي، سجنًًا!
وها أنذا مرَّ على مكوثي هنا شهرٌ كاملٌ وأنا فيه سجينة!
سجينة أفكاري وتوقُّعاتي بأيامٍ لطيفة ولحظات جميلة، سجينة مخاوِف ليست لي بها أيَّ يد، سجينة أفكارٍ وآراءٍ وتوقعاتٍ ليست لي، توقّعاتهم ومخاوفهم فقط!
سجينة وحدتي وصمتي، ألمي من فكرة أن لا يفهمني أحد، سجينة ظلامٍ فُرِض عليَّ لا طاقة لي على رفضه، كل ما أفعله هو محاولة إزاحته فقط!
عزيزي القمر..
أنا سعيدةٌ جدا هنا، قلبي يرقص كل يومٍ أفتح فيه عينَيَّ لأجدني داخل الوطن، تلك الغصَّة الكئيبة التي رافقتني سنين غربتي انقشَعت عند أولِ حدٍّ من حدود سوريا الحبيبة، زرتُ بيتي القديم وبكيت حسرةً لأني لم أعُد إليه، صار لي مغامرات لطيفة كنتُ الوحيدة الشاهدة عليها، لكن صدِّقني البلد بخير ولا زالت القلوب طيبة، على أقل تقدير ما استطعتُ لمسه مما حدث معي مؤخَّرًا!
لكنَّ ما يُقلقني هو أن أبقى سجينةً لمخاوف ليست لي!
هل تفهمني يا قمري؟
أحيانا أفكر: ماذا لو استطعتَ إيجادي وسحبي من يدي وسرقتني من بين كل ما أنا فيه لمكانٍ بعيدٍ جدًّا، حيثُ أتحرر فيه من مخاوفهم جميعًا وأتمكن من الوصول حيث أطمح الوصول إليه، نجمةً في سماءِ نجاحاتي وأثرًا باقِيا في كلِّ قلبٍ يتألَّم؟
ماذا لو كنتَ حقيقةً؟
ومع ذلك سأبقى أحاول حتى أصل، ولن أرهن حياتي بانتظار أحدٍ حتى لو كان أنت!
- مياس وليد

تعليقات
إرسال تعليق