اسم الكتاب: تمت رؤيته
اسم الكاتبة: إيناس عوض
نوع الكتاب: رواية
عدد الصفحات: 181
كانت رحلتي هذه المرة مليئة بالألم والقهر الذي كان مكتومًا في قلوب السوريين جميعًا ليس فقط أهل حمص حيث صارت أحداث الرواية منذ بداية الثورة السورية ضد الظلم والحاكم الطاغية.
فبين فقدٍ وموتٍ وجراحٍ غرقتُ في الحكاية، رافقتُ جودي من بداية خروجها لساحات الحرية كجميع شباب وشابات أهل المدينة الثائرة للمطالبة بالحرية والكرامة، شهِدتُ ألم فقدِها حين تم اعتقال شريك حياتها مع شبابٍ آخرين، مع كل اعتقال كان الأهل والأحباب يموتون وهم على قيد الحياة البائسة، تتحطم آمالهم على عتبات انتظار الغائبين الذين وعلى الأغلب لن يعود أحدٌ منهم!
فهم بضيافة طاغيةٍ ظالم يعيش على سفك دماء شعبه، وخاصة أولئك الذين طالبوا بحقوقهم المشروعة!
كانت هذه الرواية بمثابة توثيق لجرائم النظام البائد في حق أبناء البلد، توثيق لكل كبيرة وصغيرة، لكل برميل أو قذيفة أو تعدِّي بالرصاص على المتظاهرين أو حتى قنصهم في طرقات المدينة كنوع من التسلية من قِبل عناصر الجيش الذي من المُفتَرَض أن يكون حامِيًا للمدينة وأهلها، لكل معتقل اعتُقِل بلا ذنبٍ إما لأنه ساعد أحد المصابين أو المحتاجين بصورة إنسانية بحتة، أو بلا ذنبٍ لأن هناك من حرك أصابعه لكتابة تقرير بما لم تقترفه يداه، وفي الحالتين لن يعود، وإن عاد سيكون إما جثةً مُشوَّهة أو كتلةً من الألم والصمت البائس والمتحرك!
في الحالتين سيرتاح أهله لأن المصير عُرِفَ والانتظار انتهى!
ماذا لو كانت المعتقلةُ المُفرَج عنها امرأة؟
تجيب الرواية بكل أسى عن مصير تلك المسكينة التي ستنتقل من سجون النظام الذي لم يرحمها إلى سجنٍ أكبر وأوسع هو سجن معتقدات المجتمع وحكمه القاسي بحقها، حيث أنها ستتمنى لو أنَّ سجَّانها أنهى حياتها على أن تخرج فتواجه نظرات وأحكام وتمتمات وخذلان الآخرين لها مع وصمة العار التي يطبعونها على وجوههم كلما نظرت إليهم وكأنها ذهبت بكامل إرادتها نحو ذاك الجحيم!
أكثر ما أثار بي مشاعر الألم وجعلني أبكي فِعليًّا أثناء القراءة هي حكاية "ألمى" التي اعتُقِلت فتحولت حياتها للجحيم حتى بعد خروجها وسفرها خارج البلاد مع أهلها هربًا من براميل الموت، بقيت أصابع الاتهام تُرفع في وجهها ونظرات الشك تقتل روحها!
كما سلَّطت الضوء على أطفال المعتقلات اللاتي أُبعِدنَ قسرًا عنهم، وكمِّ الألم الذي يعيشه الطفل والآثار السلبية التي ستنعكس عليه وعلى تصرفاته وحالته النفسية والصحية حيث أنه يواجه صعوبات لم يكن عقله الصغير ليتخيَّلها.
تتحدث أيضا الكاتبة في روايتها عن حالة الغربة التي عاشها السوريين داخل بلادهم وتفاصيلها وانعكاسها على حياتهم والصعوبات التي واجهوها بكل قوتهم وإرادتهم، إضافة لحالة الغربة خارج الوطن بتفاصيلها وصعوباتها وآلامها.
كانت جسر عبورٍ للقارئ حتى يعيش بخياله أحداث الحكاية وكأنه يرافق أبطالها حيث صورت أحداثًا كثيرة مليئة بالألم والقهر واليأس الممزوجة بالأمل والإرادة القوية بنَيلِ حريةٍ تحفظ للشعب السوري كرامته وعزَّته وتُخرجه من حياة المواطن البائس الذي لا ينفكُّ يحلُّ أمر مشكلةٍ هنا حتى يواجه أخرى هناك، إلى حياة المواطن الكريم المُنتِج الذي يساهِم بتطور بلاده من أجل أبناء الشعب كاملًا لا عائلةٍ واحدة!
تتحدث الكاتبة في الرواية بلغة سلسة وبسيطة مُحاولة نقل صورةٍ حقيقية عما كان يحدث في حمص في بداية الثورة من خلال شخصية جودي وعائلتها بتفاصيلهم المختلفة مشيرة إلى مواضيع مهمة منها المعتقلين والمعتقلات وخصوصا العائدات إلى عائلاتهن مكسوراتٍ وتائهاتٍ وسط عتمةٍ لن يراها أحد أو يستوعب عمق ألمها أحد حتى لو تمت رؤيته.
مياس وليد
اقتباسات أعجبتني:
- فلا يُخيفنا الموت فِعلِيًّا، بل يُخيفنا فقدان الآخر..
- بلحظةٍ ما تكتشِف أنكَ تدينُ للروتين المقيت بتفضله عليك بالشعور بالاستقرار! ولم تُقَدِّر تلك النعمة إلَّا عند فقدانها!
- وأصعب الانتظار.. الانتظار المفتوح على مدى التساؤلات والتحليلات والتوقعات والاجتماعات والمؤتمرات التي لا تنتهي.
- ما أسعدنا حين لا ننتظر أحدًا، ولا نفقد أحدًا، ولا نحتاج أحدًا..
- الحب أحيانا يتحول إلى آلةٍ من الزمن تعيد تكرير عذاباتنا مع أشخاصٍ جُدد، لم أنل منه إلا الفراق.
تعليقات
إرسال تعليق